أصبنا في مقتل
الفُصحى مِنحة ربانيَّة تفوق نعمةَ أطايب المطعَم والمشرَب، وهل يستوي ما يُقيم الجسد، وما تقوم به النَّفس في كمالاتها بإيمانها وزكاة أخلاقها؟!
مشاهد في حياتنا ألِفناها في العالم العربي المسلم، وبالأخص في المغرب منه، ولم يعُد الحِس المرهَف والذوق الجميل يأنَف من مقارعتها بالسمع والبصر والفؤاد، ولقد سمعت من يُعَدُّ خطيبَ قومه يُدلي بدلوه في النَّثر والنَّظم، فأتى بالحمْأة، وأَبيتُ إلا أن أرمُق قليل الماء، ثم راجعتُ نفسي، وأعملتُ عقلي، فلم أجد بدًّا من مكاشَفته:
أَنتَ والشِّعر ثلاثهْ
ربَّما كانت وِرَاثهْ
أَو أساليب حَداثهْ
لم أكُن أعلَمها
|
وآخر يَعِظ؛ وهو أولى بالوعظ والتوبة مما اجترَح، وهل كان اللَّحن في أوضح قواعد وأساليب لغة القرآن، بل وفي سرْد آيات الكتاب المُبين، إلا جناية حين تبدُر من قادِر على التعلُّم ينتسِب إلى العِلم والدعوة إلى الله، اللهم من مجتهِد لم ير أكفأ منه فبلغ.
وزارة شؤون دينِنا لا تُعنى بإعداد العلماء الخطباء الأتقياء الفصحاء البُلغاء، ولو كان من جُهْد جادٍّ في هذا المضمار لبدتْ ثمرتُه، أما وإنَّ المنابر تشكو إرهاق كاهِلها بسقطات التعتعة، ورفْع المخفوض، وتسكين المتحرِّك، وإعجاب كل ذي رأي برأيه؛ فإن المصاب جَلَل، وما شهِدنا إلا بما علِمنا وما كنا للغيب حافظين.
إنَّ اللغة العربية وعاء القرآن، ولا زال تَمايُز درجات أهل العلم مبنيًّا في أُولى اعتباراته على الضُّلوع فيها، ومعرفة فنونها، وسَعة الاطِّلاع على تاريخها ورجالاتها ومتونها وشِعرها ونَثْرها، ومناط الاختلاف في أكثر مسائل الفقه والعقيدة اللغة، ثم إنَّ استقامة اللسان في الأئمة والدُّعاة إلى الله مدعاة لتمام السَّمت، وحُسْن القَبول، ويُسْر البيان:
وَكائِنْ تَرى مِن صامِتٍ لَك مُعجَبٍ
زِيادَته أَو نَقصُهُ في التَّكَلُّمِ
لِسانُ الفَتى نِصفٌ وَنِصفٌ فُؤادهُ
فَلم تَبقَ إِلا صورَةُ اللَّحمِ وَالدَّمِ
|
وقد حظِي هارون - عليه السلام - بما آتاه الله من فَصاحة اللِّسان إلى جانب مُقتضيات النُّبوة الأخرى بالرسالة ووزارة كليم الرحمن أخيه موسى - عليه السلام -: ﴿ وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ ﴾ [القصص: 34].
فهل من عنايةٍ أوفَر بالضاد يا أهل الضاد؟!
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Literature_Language/0/44863#ixzz2IzEZcuhU
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق